لقد كانت المحاكم المختلطة هي تكريس وتأكيد للنفوذ الأجنبي والامتيازات الأجنبية داخل مصر. فقبل ظهور تلك المحاكم سنة 1876 كانت القنصليات الأجنبية هي المختصة بنظر القضايا التي يكون أحد أطرافها مواطنا من هذه الدولة بدلاً من المحاكم الأهلية، فإذا حدثت خصومة بين مصري وأجنبي احتكما إلى قنصلية دولة الأجنبي! وكانت الأحكام لا تنفذ إلا في حضور القنصل، والذي كان من المعتاد ألا يحضر إذا صدر الحكم لصالح المصري. وفي ذات الوقت كانت الخصومات التجارية يختص بها المحاكم التجارية أو مجالس التجار، وهي التي كانت تتكون من مصريين وأجانب، وزاد عدد الأجانب فيها مع زيادة النفوذ الأجنبي في مصر.
في عام 1876 قام الخديوي إسماعيل بمحاولة لإصلاح هذا الخلل، ولكنه بدلاً من إحلال المحاكم الأهلية كبديل للمحاكم القنصلية والمحاكم التجارية، توصل إلى اتفاق مع الدول الأوروبية بإنشاء محاكم مختلطة يكون العنصر الغالب فيها للقضاة الأجانب وتحتكم إلى القانون الفرنسي والإنجليزي والإيطالي، وتفصل فيما يقوم من المنازعات بين الوطنيين والأجانب وتختص بنظر الجنايات والجنح والمنازعات المدنية والتجارية، واستثنت بعض الجنح والجنايات التي يرتكبها الأجانب فظلت من اختصاص المحاكم القنصلية. ويصف القاضي الهولندي فان بلمن ذلك بقوله: “إن المحاكم المختلطة ركن قوي من أركان السيطرة الأوروبية على مصر وقد استمر العمل بالمحاكم المختلطة إلى أن تم إلغاؤها في 14 أكتوبر 1949 بعد عقد معاهدة منترو التي نصت على إلغاء المحاكم المختلطة بعد مرور 12 عاما من تاريخ المعاهدة.