رضا العبد يؤدي إلى اطمئنان القلوب وسكينة النفوس ورضوان الآخرة والحياة الطيبة ويلتمس العبد إليه السبل والوسائل والهدى من كتاب الله الكريم {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} وصحيح السنة، وعلى المؤمن وهو يسعى إلى الرضا أن يكون حذراً من الشيطان وحزبه الذي يصده عن الصراط المستقيم ويضله عن سواء السبيل ويدعوه إلى السخط وعدم الرضا (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً}. وعلى المسلم أن يعلم أن الإقبال على الطاعات وترك المحرمات التي حرمها الله عز وجل مجلبة للرضا. وقد اعتمدنا على الحي الذي لا يموت متوكلين عليه آخذين بالأسباب وطرقنا بابه علًنا نفوز برضاه ومحبته، التي نرجوها عامة لعباده المؤمنين جميعا. وفى محاولة متواضعة منا لبيان السبل والوسائل لتحقيق ذلك جاء هذا الكتاب.
الفصل الأول: في الرضا
الرضا هو منة من الله ذو الفضل العظيم ينعم به على من يرضى عنه، وبه تطمئن القلوب وتنزل السكينة في النفوس ويوصل إلى رضوان الله في الآخرة وينعم بالحياة الطيبة كما جاء في القرآن الكريم وصح عن النبي r من قول أو فعل أو تقرير، وعلى المؤمن أن يكون حذراً من الشيطان ومداخله وحزبه الذي يصده عن الصراط المستقيم ويضله عن سواء السبيل بالسخط وترك الرضا، وذلك بتزكية النفس والاستعاذة من الشيطان والحذر من حزبه.
الفصل الثاني: محبة الله وتقواه السبيل إلى رضاه
الإسلام أساسه المحبة بين الله وعباده ومحبة المؤمنين للحبيب المصطفي، والمؤمنون في توادهم وتراحمهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً والله يحب المتقين فمن أراد محبة الله ورضاه فعليه بتقواه . وتقوى القلوب تكون بسلامة الاعتقاد وتقوى الأعمال بإتباع كتاب الله والسنة النبوية الشريفة ، فالمحبة والتقوى والعمل الصالح من السبل إلى ود الرحمن فبهم يتقرب العبد إلى ربه فيحبه ويرضى عنه، ولقد حث القرآن الكريم على ما يجلب محبة الله فإن الله يحب (المحسنين والمتطهرين والمتقين والصابرين والمتوكلين والمقسطين)، ونبه العبد المؤمن أن يتجنب مالا يحب من (الكفر والفساد والظلم والجهر بالسوء والإسراف والخيانة والاستكبار وألا يكون من المعتدين أو المتجاوزين ولا المختال الفخور أو الخوان الأثيم)، ويلتمس العبد السبل المؤدية إلى الرضا بتقوى الله عز وجل وأن يجاهد في الله حق جهاده قال تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }[29 العنكبوت: 69]
الفصل الثالث: الرضا بالقضاء والقدر
الإيمان بقضاء الله وقدره من أركان العقيدة الإسلامية التي يرتكز عليها الإسلام. ومن تقوى القلوب إيمان المسلم بالقضاء والقدر فكل ما قدره الله في كتاب محفوظ يمحو الله ما يشاء ويثبت وفقاً لمقتضى حكمته فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون والدعاء يعتلج مع القضاء. ولقد خلق الله الإنسان ليبتليه لإقامة الحجة عليه عندما يقرأ كتابه يوم الحساب وكفى به على نفسه شهيداً. وقد يبتلى الله الإنسان ليمحصه ويغفر ذنبه ويرفعه درجات وهذا لطف ورحمة منه سبحانه، ومن حكمته أن يكون البلاء زاجرا لعل الإنسان يرجع عما ارتكبه من معصية أو ذنب.
الفصل الرابع: الإخلاص والتوكل على الله
العبادة في الإسلام لابد أن تكون خالصة لله، فالله غني عن الشركاء ووعد الله عباده المخلصين الذين يبتغون وجه ربهم الأعلى بالرضا، والإخلاص هو الأساس لقبول العمل وذكر ذلك في مواقع كثيرة من القرآن وأيضاً تناولته الأحاديث الصحيحة باستفاضة حيث أنه أساس كل عمل وشرط لقبوله من المولى عز وجل، فإذا أخلص المؤمن وسلم وجهه لله وهو محسن وتوكل على الله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} وعده الله بقبول العمل، {ومن أوفى بعهده من الله}.
والإخلاص لله يدل على الصفاء والنقاء من الأخلاط والأوشاب، والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. فمن أخلص الدين لله، قصد وجهه وحده سبحانه بهذا العمل وترك الرياء، فالإخلاص هو أن تكون العبادة والتوجه والتعلق بالله سبحانه وتعالى في كل ما يتقرب به إليه دون أن نشرك به أحداً.
الفصل الخامس: الذكر مفتاح الرضا
والذكر يكون بالقلب أو باللسان أو بالجوارح ، وفي الإسلام كل عمل صالح يقوم به العبد ذاكراً لله مبتغياً وجهه فهو ذكر، وقد بين الله تعالى أن القرآن الكريم هو الذكر فقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ 15الحجر: 9] وبشر الله المتبعين لهذا القرآن والمحافظين على تلاوته بقوله إنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } [36يس: 11] ثم وضح رب العالمين جزاء المعرضين عن ذكره وإتباع هداه فقال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [20طه: 124]
والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فبدوام الذكر تطمئن القلوب، والذاكر موصول بالله حيث وعد الله عباده فقال “فاذكروني أذكركم”.وقد وسع الله الواسع الحكيم على عباده أبواب الذكر المؤدية إلى الرضا وسوف نتحدث عنها بالتفصيل في الفصل الخامس.
الفصل السادس: الرضا بالرزق وحمد الله وشكره على نعمه
والشكر على النعم مجلبة لرضا الله وللمزيد من فضله { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [14إبراهيم: 7] ونعم الله لا تحصى ولا تعد ظاهرة وباطنة , فإن شكر العبد اطمئن قلبه وصرف نظره عما أنعم الله به على غيره قال تعالى {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)} [20طه : 130-132] كذلك فإن الله يطهره من الحقد والحسد اللذين يؤديان إلى قطع أوصال الأخوة بين المسلمين والتباغض والعداوة فيما بينهم ويأتي الله بقلب سليم قال تعالى: { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [26 الشعراء: 88-89].
الفصل السابع: الحلم والعفو والإحسان والصبر
الحليم الغفور من أسماء الله الحسنى ومن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم أن يعفو ويغفر كما يحب أن يعفو ويغفر الله له فكتم الغيظ والعفو عن الناس والصبر على أذاهم والإحسان إليهم ودرء السيئة بالحسنة هي من الأخلاق والسمات العامة لخلق المسلم، ورسول الله r أسوةٌ حسنةٌ في كل ذلك، فالحلم والعفو والصبر وخلو الصدور من الضغينة والبغض وطلب الانتقام، وكل هذا يدخل الهدوء والطمأنينة والسكينة على النفوس وتعود على المسلم بالخير والرضا.
الصبر هو حبس النفس على فعل شيءٍ أو تركهِ ابتغاء وجه الله. ويتناول هذا الكتاب في فصوله المختلفة سبل ووسائل تجلب الرضا ويحرص المؤمن علي تحقيقها والمداومة عليها ولا تأتي بثمارها إلا بالصبر والمثابرة، فتقوى الله ودوام الطاعة والصبر على البلاء بأنواعه والإخلاص والتوكل على الله ودوام الذكر والشكر والحلم والعفو كلها أمور لا تدوم إلا بالصبر والمثابرة، ومن تصبر صبره الله.والصبر موصل إلى الرضا لأن الرضا درجة أعلي من الصبر فقد يصبر الإنسان على الابتلاء شكليا حين يفقد الحيلة لدفع ما أصابه من ضر أما الراضي فهو راضٍ وصابر. والمسلم يصبر على التكاليف والابتلاءات وما يكتنفها من مشقة ويصبر عن الشهوات وما يلتبس بها من المعاصي وقد ورد ذكر الصبر في القرآن الكريم كثيراً ولأهميتهِ جاءَ ذكرهُ في أكثر من مائة موضع.